هل تتوقع أن تصل على حافة الموت وتنجو منها بصعوبة وبعض عدة ساعات، تصبح تلك اللحظات مجرد ذكراة بل وحتى في كثيرة من الأحيان تصبح ذكراة مضحكة.
في كانون الأول تم فرز كتيبتنا إلى تل هكاري بعد أن انهينا الدورة التدريبية لاكاديمية شهيد محمد كوي، بدأ المسيرة حوالي الساعة الثاني عشر وكان الثلج قد بدأ بهطول. بعد ساعتين وصولنا إلى أسفل التل، وقتها كانت الرياح والثلوج قد ازدادت من شدتها لدرجة أنك كنت تفتح عينيك بصعوبة، وكأن الطبيعية تمتحنك في امتحان صعبة من أجل البقاء. لم نتوقف وعند الساعة الخامسة وصولنا إلى كهف الرفاق الشباب، الرياح والثلج لم يتوقفا عند الزيادة من هطولهم. تلك الرياح والثلج وذلك الليلة القاِرص ومظلمة صعب علينا المشي أكثر، طلبت الرفيقة روجدا وكوجرين اللتان كانتا قائدتان الفصيلة من الرفيق هجار والذي كان قائد الكتيبة البقاء في كهف الرفاق الشباب حتى الغد. وفي الصباح متابعة الطريق إلى الكهف الرفيقات، لأن الرفيقات كانوا متعبيين جدا من المشي وكما أن الرياح والثلج وظلام يصعب الأمر. ولكن الرفيق هجار لم يوافق لأن كهف الرفاق الشباب لا يكفي لهذا العدد من الرفاق، وكما أن الأحوال الجوية سوف تستمر لثلاث أيام مما سوف يجعل الطريق أصعب. والطريق إلى كهف الرفيقات لم يبقى له الكثير.
لهذه الأسباب بدأنا المشي نحو كهف الرفيقات ومعنا ثلاث رفاق من الشباب للمساعدة، بعد ساعتين انهرت قونا وانقطعت المجموعة عن بعضها البعض. عرفت أن الرفيق جسور الذي جاء معنا قد اضاع الطريق بسبب كثرة تساقط الثلج وذلك الجوية السيئة، ولكن من أجل أن لا تنخفض معنويات الرفاق لم أقول شيئاً. وصلت بي الحالة لدرجة أنني لم أعد أستطيع رفع قدمي ومتابعة المشي، وبدأت أشعر بدوار حتى أنني وقعت عدة مرات، وبعد وقت قصير بدأت أشعر بنوم شديد، كنت أريد فقط النوم ولا شيء أخر. في تلك اللحظة وقعت على أرض ولم أعد أشعر بشيء حولي، الرفاق ينادونني ولكنني لا أرد عليهم وللحظات فقد الوعي، استيقطت على صفح الرفيق درويش لي، وقال لي: " مهما حدث فيجب أن لا تقفي في الثلج ولا تستسلمي للنوم الثلجي لأن وقتها أما أن تحترق أصابعك أو أنك سوف تستشهدي ليس هناك حل الأخر إلا المشي " . بعدها أخذ سلاحي وحقيبتي مني، وتابعنا المشي
بعد وقت انقطعنا أنا والرفيقة زوزان فاراشين عند الرفاق، كنت أتذكر كلمات الرفاق وأقول في نفسي" يجب أن لا أتوقف، يجب أن لا أصبح ثقل على الرفاق في المشي. وبقي خلفنا ست رفاق ( اثيين من رفاق الشباب واربعة من رفيقات)، وفجأة سمعت صوت الرفيق درويش من خلفنا ينادي الرفيقة بالين ويطلب منها النهوض، بعدها سمعنا صوت طلقتين ناريتن. عرفت أن الرفيقة بالين قد فقدت وعيها، والرفاق يحاولون ايقاظها.
لم نعرف ماذا نفعل لذلك تابعنا المشي بدون توقف وبعد عدة خطوات وقع أكثر من نصف جسدي في الثلج حاولت الخروج ولكنني لم أقدر، ساعدتني الرفيقة زوزان ولكن بدون جدوى، لذلك طلبت من الرفيقة زوزان متابعة المشي من دون، لأن وقوفها سوف يؤدي إلى حرق أصابعها. وأنني أستطيع الصمود حتى يصل إلي الرفاق الذين خلفي ويساعدونني (كنت هكذا أفكر).
تفكيري هذا ازعج الرفيقة زوزان وأثار غضبها وبدأت بصوت مرتفع تقول :" ماذا تقولين، هل تتوقعين أن أذهب وأتركك هنا، ولو كنتِ مكاني هل كنت سوف تفعلين هذا. هل تتوقع أن النضال أمر سهل، وهل هكذا سوف تكونين جواباً للرفاق الشهداء ولرفيق خبات ". تابعت قولها:
_ لقد أضاعنا الطريق، والله اضاعنا الطريق، الطريق لم يكون طويلاً هكذا.
بعد أن انهت الرفيقة زوزان كلامها بدأ الرفيق درويش يضرخ بصوت عالي وقد ثار غضبه أيضاً :
_ يا جسور ماذا تفعل، الرفاق يستشهدون بسببك، عد أدراجك، إلى إين تذهب
بدأت الرفيقة كوجرين تصرخ وتنادي الرفيقة دجلة التي كانت في كهف لعلها تسمع صوتنا لأننا كنا نظن أن الكهف قريب منا، ولكن من سوف يسمعنا في ذلك الجو العاصف.
جمعت قوتي وبمساعدة من الرفيقة زوزان خرجت وتابعنا المشي حتى وصولنا إلى الرفيقات الذين أمامنا، توقفنا عند صخرة كبيرة لتحمينا من الريح التي كانت تهب بشدة. في هذه الاثناء بسبب تأخر الرفاق الشباب عن العودة إلى مكانهم، يبدأ الرفيق هجار بقلق. ويرسل مجموع من الرفاق خلفنا. الرفاق الذين خرجوا يبحثون عنا بعد مدة سمعوا صوت الرصاصات وتابعوا مصدر الصوت، مع اقترابهم بدؤوا يسمعون صوتنا ونحن ننادي الرفيقة دجلة، لذلك ظن الرفيق حسان والذي كان قائد السرية بأن الرفيقة دجلة قد ضاعت. وعندما وصل الرفاق إلى المجموعة الأخر من الرفاق، تركض الرفيقة كوجرين نحو الرفيق حسان ظنً منها أنها الرفيقة دجلة وتقول:" يا رفيقة دجلة إي كنت لقد ناديناك كثيراً، الرفاق إلى وشك الشهادة".
وفيرد الرفيق حسان:" أنني الرفيق حسان ،وعندما سمعوا صوتكم ظنت أن الرفيقة دجلة قد ضاعت الأمر الذي أثار استغرابي، أي الرفاق وهل هم بخير"
بدأ الرفيق حسان بجمع الرفاق فوراً وقال:" هناك غرفة قديمة من هنا، لنجمع الرفاق هناك".
بعد أن دخلنا وجاء معظم الرفاق، بقيت أعيننا على الباب منتظرين الرفاق الذين كانوا مع الرفيقة بالين التي كانت ماتزال فاقدة الوعي.أما الرفيق حسان ومعه رفيق أخر ذهبوا من أجل ايجاد طريق الكهف.بعد وقت جاء الرفاق حاملين الرفيقة بالين معهم، كانت زرقاء وشحب الوجه وضعها في وسطنا كلنا ظننا أن الرفيقة بالين قد استشهدت ملئت أعيننا بالدموع وقف الرفاق الشباب جانباً وطلب الرفيق درويش خل ملابس العسكرية عند الرفيقة بالين من أجل وضع الثلج عليها لربما تفيق، فعل الرفاق ما قاله الرفيق درويش وفي تلك الأثناء رأى الرفاق أن يد الرفيقة بالين ترتعيشان وفوراً بدأ الرفيق درويش بضرب قدمين الرفيقة بالين شيش سلاح من أجل أن تفيق وتشعر بهما بعد نصف ساعة سحبت الرفيقة بالين قدميها وأفاقدت، الرفيقة كوجرين وروجدا بدأ بتدليك يدياها وتحريك قدميها لتشعر براحة ودفء.
بعد وقت قصير جاء الرفيق حسان ومعه الرفيقة دجلة التي كانت ملامح الخوف والقلق تملئ وجهها على الرفاق بعد أن سمعت أحوالنا من الرفيق حسان، بعدها قال الرفيق حسان:" يجب أن نسرع قبل أن يقوم الرياح والثلج بغلق الطريق الذين فتحناه إلى الكهف. وهكذا بعد استراحة قصيرة جمع قوتنا وبدأنا المشي نحو الكهف ثانية .
فورا وصولنا إلى الكهف خلنا جواربنا ملابسنا المبللة وتدفئنا وشرب كأساً من الشاي الدافء الذي انسئنا كل التعب وأشياء التي تعرضنا لها، في اليوم التالي استيقاطنا الجميع وبسمة على وجههم، وكل يتحدث ما عاشه في تلك اللحظات وبماذا كان يفكر، وأمر الذي كان يؤثر الضحك ركض الرفيقة كوجرين نحو الرفيق حسان ظنن منها أنها الرفيقة دجلة. ذلك اليوم أصبح تجربة وذكرة لنا، وتلك اللحظات الصعبة علمتنا كيفية الصمود والقتل مع كل العوامل من أجل النجاة، اكتسبنا التجربة وأرادة من أجل البقاء وكيف نتمسك ببعضنا وقت المصاعب.
سوزدا خبات
2014 ـــ متينا